أثناء قراءتي لكتاب "وجهة العالم الإسلامي" للأستاذ مالك بن نبي، الذي نشره في 1956، وجدت فيها نصًا مهمًا يذكر فيه أن العالم الإسلامي لا يمكن أن يتخذ نموذجًا للتحضر من خارج ذاته الحضارية. يقول النص: "إن العالم الاسلامي لا يستطيع في غمرة هذه الفوضى أن يجد هداه خارج حدوده. بل لا يمكنه أن يلتمسه في العالم الغربي الذي اقتربت قيامته، ولكن عليه أن يبحث عن طرق جديدة ليكشف عن ينابيع إلهامه الخاصة... فليس المراد أن يقطع علاقاته بحضارة تمثل ولا شك إحدى التجارب الإنسانية الكبرى، بل المهم أن ينظم هذه العلاقات معها".
مضى على امتنا في العصر الحديث قرنان على الأقل من محاولات الإصلاح والتجديد والنهضة، ولكن لم تحقق أمتنا نهضتها الحضارية بعد، بل مازالت أمتنا على هامش الأمم، ودولنا في ذيل ترتيب دول العالم من حيث القوة والمنعة والتقدم الصناعي والتقني والاقتصادي ومن حيث القوة العلمية ومستوى الحياة الاجتماعية التي تحقق الكرامة لأبنائها وبناتها. واليوم، وفي زمن التحولات العاصفة، والمآزق البنيوية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في سؤال النهضة من جذوره. لأننا كما سبق القول لا تزال شعوبنا ترزح تحت أعباء التخلف، وقيود الاستبداد، وآفات الفساد، رغم السعي الحثيث من نخبها الإصلاحية إلى تغيير الواقع، والخروج من دائرة التخلف والهامشية، نحو الحرية والكرامة والتقدم. لكن، ومع تكرار محاولات الإصلاح والتغيير، وتجارب النهوض، يظهر سؤال حادّ ومؤرق: لماذا لا يتغير واقعنا؟ لماذا تفشل محاولات التغيير، أو تنحرف عن مسارها، أو تُجهض قبل أن تثمر؟