تحديث يوليو 2025: التجارة العالمية تواجه تغييرات سياسية ومخاطر جيواقتصادية
UN Trade and Development (UNCTAD)
1. نظرة عامة على أداء التجارة العالمية في النصف الأول من 2025
شهدت التجارة العالمية توسعًا متواضعًا في النصف الأول من عام 2025، مع نمو إجمالي يقارب 300 مليار دولار أمريكي. تميز الربع الأول من العام بزيادة في التجارة بين السلع والخدمات بنحو 1.5% مقارنة بالربع السابق، مع أداء قوي للدول المتقدمة خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. رغم هذه الزيادة، سجلت الدول النامية نمواً أقل مقارنة بالدول المتقدمة، ما يعكس استمرار الفجوة الاقتصادية بين المجموعتين. لا تزال حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية والتوترات الجيوسياسية تلقي بظلالها على آفاق التجارة العالمية، مما قد يحد من سرعة نموها مستقبلاً. كما لوحظ ارتفاع طفيف في أسعار السلع المتداولة خلال الربع الأول، ما ساهم في زيادة القيمة الإجمالية للتجارة أكثر من زيادة حجمها.
2. التحديات الجيوسياسية وتأثيرها على التجارة العالمية
تواجه التجارة العالمية تحديات كبيرة من حيث تزايد التوترات الجيوسياسية، خصوصًا بين الولايات المتحدة والصين، وتوترات في مناطق أخرى تؤثر على سلاسل التوريد العالمية. فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية جديدة على عدة سلع، مما دفع الشركات إلى تسريع وارداتها قبل دخول هذه التعريفات حيز التنفيذ في الربع الأول. كذلك، برزت مخاوف من ردود فعل انتقامية من الدول الأخرى التي قد تؤدي إلى نزاعات تجارية أوسع. إلى جانب ذلك، تتزايد السياسات الصناعية الوطنية التي تركز على الدعم الداخلي وحماية الصناعات المحلية، مما يحد من حرية التجارة ويؤثر على ديناميكية الأسواق الدولية، خاصة في القطاعات الاستراتيجية والتكنولوجية.
3. أداء التجارة في الاقتصادات الكبرى
في الربع الأول من 2025، شهدت الولايات المتحدة نموًا قويًا في الواردات بنسبة 14% ربع سنويًا، بدافع التخزين المسبق لتفادي التعريفات الجمركية المرتقبة. على الجانب الآخر، سجل الاتحاد الأوروبي نمواً ملحوظاً في الصادرات بنسبة 6%، مع أداء قوي يعكس قوة القطاع الصناعي والخدمي. في المقابل، سجلت الهند وكوريا الجنوبية انخفاضاً في الصادرات والواردات، بينما أظهرت الصين بعض الاستقرار في الصادرات بالرغم من تراجع الواردات. وأظهرت روسيا تراجعاً حاداً في التجارة السلعية، ما يعكس تأثير العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية.
4. التجارة الإقليمية والتحولات في نمط النمو
تميز الربع الأول من عام 2025 بنمو أسرع في التجارة بين الدول المتقدمة مقارنة بالدول النامية، وهو انعكاس لتحولات في ديناميات التجارة الإقليمية والعالمية. نمت واردات الدول المتقدمة بنسبة 4%، بينما انخفضت في الدول النامية بنحو 2%. كما سجلت التجارة بين دول الجنوب تباطؤاً ملحوظاً، خاصة عند استبعاد الاقتصادات الشرقية الآسيوية، رغم أن إفريقيا سجلت أداءً تصديرياً قوياً. تجدر الإشارة إلى أن النمو في أوروبا وشمال أمريكا كان مدفوعاً بالتجارة الخارجية، في حين استند نمو إفريقيا وشمال أمريكا بشكل كبير إلى التجارة الداخلية الإقليمية.
5. اتساع الفجوات في الموازنات التجارية العالمية
استمرت الفجوات في الموازين التجارية في التوسع خلال الربع الأول من 2025، مع تزايد العجز التجاري في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ. في المقابل، شهدت دول مثل الهند واليابان وبريطانيا تقليصاً لعجزها التجاري، بينما واصل كل من الصين والاتحاد الأوروبي توسيع فوائضهما. تعد الفجوات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الأكبر والأكثر اتساعاً، ما يعكس التحديات المستمرة في تحقيق توازنات تجارية أكثر عدلاً. هذه الفجوات تؤثر على السياسات التجارية والاقتصادات الوطنية، وتزيد من مخاطر النزاعات التجارية الدولية.
6. الاتجاهات في التنويع والتكتلات التجارية
شهدت الفترة الأخيرة تحولات في نمط الاعتماد التجاري العالمي، مع تراجع نسب التقارب الجغرافي في التجارة (النينارشورينغ) وارتفاع الاعتماد على الشركاء السياسيين المتقاربين (الفريدشورينغ)، رغم استمرار وجود تكتلات تجارية إقليمية. يُعزى هذا إلى جهود الدول لتقليل الاعتماد المفرط على شريك تجاري واحد مثل الصين أو الولايات المتحدة، وتوسيع سلاسل التوريد إلى مناطق جديدة. على الرغم من ذلك، لا تزال التكتلات التجارية الجغرافية تلعب دورًا رئيسيًا في التجارة العالمية، مع تغيرات متفاوتة في الاعتماد التجاري بين الدول والمناطق.
7. تباين أداء القطاعات الصناعية في التجارة العالمية
شهدت قطاعات صناعية مختلفة أداءً متباينًا خلال الربع الأول من 2025. برزت قطاعات الكيماويات والأدوية كأكثر القطاعات نموًا في حجم وقيمة التجارة، مدفوعة بالابتكار وزيادة الطلب العالمي. في المقابل، سجلت قطاعات معدات الاتصال تراجعاً ملحوظاً في التجارة، وهو ما يعكس تغيرات في تكنولوجيا الاتصالات والضغوط التنافسية. بقيت تجارة المنتجات الطاقية والمركبات على وضع مستقر نسبياً مع نمو محدود أو سلبي. هذا التباين يعكس تحولًا تدريجيًا نحو قطاعات تعتمد على التكنولوجيا والابتكار، ويضع تحديات أمام الاقتصادات التي تعتمد على القطاعات التقليدية.
8. هيمنة شركات التكنولوجيا الرقمية وتأثيرها على الأسواق
تسيطر مجموعة محدودة من شركات التكنولوجيا الرقمية الكبرى على الأسواق العالمية، حيث تضم القائمة أعلى الشركات قيمة سوقية مثل NVIDIA، Microsoft، Apple، Amazon، Google وMeta. تملك هذه الشركات سيطرة واسعة على قطاعات متعددة مثل الحوسبة السحابية، التجارة الإلكترونية، الذكاء الاصطناعي، والإعلانات الرقمية. تؤدي هذه الهيمنة إلى تقليل المنافسة، وارتفاع الحواجز أمام دخول المنافسين الجدد، مما يحد من الابتكار ويقلل من خيارات المستهلكين. علاوة على ذلك، تعتمد هذه الشركات بشكل كبير على جمع وتحليل البيانات الشخصية لتحقيق أرباحها، مما يثير قضايا متعلقة بالخصوصية والأمان الرقمي.
9. التحديات التنظيمية وتدخلات هيئات المنافسة العالمية
تصاعدت جهود هيئات المنافسة حول العالم لتنظيم الأسواق الرقمية ومنع ممارسات الاحتكار، خاصة من خلال تطبيق قوانين جديدة مثل قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي. تستهدف هذه القوانين تنظيم سلوك الشركات الرقمية الكبرى لمنع الممارسات التي تعيق المنافسة مثل إجبار المطورين على استخدام أنظمة دفع معينة أو استغلال البيانات الشخصية. رغم هذه الجهود، لا تزال هناك تفاوتات كبيرة في تطبيق القوانين بين القارات، حيث تتصدر أوروبا وآسيا المشهد في التدخل، بينما تعاني أفريقيا وأمريكا اللاتينية من قيود في القدرات التنظيمية.
10. الذكاء الاصطناعي التوليدي وتأثيره على هيمنة السوق
شهد سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي نمواً هائلاً، لكن السيطرة عليه تتركز بشكل كبير بين شركات قليلة مثل Microsoft وAlphabet (Google) التي تهيمن على 78% من سوق الذكاء الاصطناعي. يتطلب تطوير هذه التكنولوجيا موارد ضخمة من حيث الحوسبة والبيانات، مما يزيد من صعوبة دخول منافسين جدد. يثير هذا الوضع مخاوف لدى المنظمين من زيادة احتكار السوق، وتراجع الابتكار، واحتكار البيانات. من هنا تبرز الحاجة لتدخلات تنظيمية فعالة تضمن بيئة تنافسية عادلة، تدعم تنمية التكنولوجيا الرقمية بشكل شامل ومتوازن.