يُعَدّ الشاعر عمر بهاء الدين الأميري واحداً من الوجوه البارزة في الشعر العربي المعاصر، إذ جمع بين الحسّ الإنساني المرهف، والرؤية الحضارية التي تتجاوز حدود الذات نحو مشروع نهضوي واسع. ولئن كان شعره يتدفّق بعاطفة صافية، فإن هذه العاطفة لا تنفصل عن وعي فكري يتطلع إلى بناء إنسانٍ جديد قادر على حمل مسؤولية النهضة والإحياء.
1. النهضة انبعاث من داخل الإنسان
ينطلق الأميري من قناعة راسخة أن النهضة لا تُفرَض من الخارج، ولا تُستورد جاهزة، بل تُبنى عبر إحياء الإنسان لطاقاته الروحية والفكرية والأخلاقية.
يقول شعرًا:
الهولُ في دربي وفي هدفي
وأظلُّ أمضي غير مضطربِ
ما كنتُ من نفسي على خَوَرٍ
أو كنت من ربي على ريَبِ.
فهو يرى أن الإنسان المقيّد بالضعف الداخلي لا يستطيع أن ينهض بأمّة، مهما توافرت له أدوات الحضارة. ولهذا نجد شعره يفيض بنداءات تشحذ الإرادة وتحفّز القيم، مؤكداً أن الإصلاح يبدأ من النفس قبل المؤسسات.
2. الروحانية بوابة استعادة العافية الحضارية
يحضر البعد الروحي بقوة في دواوين الأميري، ليس بوصفه هروباً من الواقع، بل باعتباره منبع القوة الذي تستمد منه الأمة قدرتها على الوثوب.
يقول:
أي سرّ يودي بدنيا حدودي
كلما هِمتُ في تجلّي سجودي
كيف تذرو (سبحان ربي) قيودي
كيف تجتاز بي وراء السدودِ
كيف تسمو بفطرتي ووجودي
عن مفاهيم كونيَ المعهودِ
كيف ترقى بطينتي وجمودي
في سماواتِ عالَمٍ من خلودِ.
فالنهضة عنده ليست مجرد صناعة اقتصادية أو تقدّم تقني، بل هي توازن بين المادة والروح، وبين العقل والإيمان. وهكذا يصبح الارتقاء الروحي جزءاً من مشروع الدفع الحضاري الشامل.
3. الأسرة: الخلية الأولى للنهضة
يُعطي الأميري للأسرة مكانة مركزية في مشروع التغيير؛ فهي في نظره مؤسسة التربية الأعمق أثراً والأطول مدى.
وقد انعكست هذه الرؤية في قصائده التي تصوّر حرارة الأبوة وسموّ العلاقة العائلية، مثل قصيدته الشهيرة "أين الأبناء؟"(قصيدة أب)، من خلال هذه الصور الشعريّة، يقدّم الأميري نموذجاً للبيت السويّ الذي ينمو فيه الإنسان القادر على حمل مسؤوليات النهوض.
وقد انعكست هذه الرؤية في قصائده التي تصوّر حرارة الأبوة وسموّ العلاقة العائلية، مثل قصيدته الشهيرة "أين الأبناء؟"(قصيدة أب)، من خلال هذه الصور الشعريّة، يقدّم الأميري نموذجاً للبيت السويّ الذي ينمو فيه الإنسان القادر على حمل مسؤوليات النهوض.
4. وطن ينهض بالكرامة لا بالتبعية
يتعامل الأميري مع الوطن بوصفه قيمة روحية وأخلاقية، لا مجرد رقعة جغرافية. وهو يرى أن استعادة الكرامة الوطنية شرط أساس لتحقيق وثبة النهضة.
يقول:
فلا بد من رأب كل الصُّدوع
وجمع الصُّفوف ودرء العللْ
ولابد من قصد ذات الإله
وحشد القوى ليصح العمل.
لهذا تحتفي قصائده بمبادئ الحرية والعزة ومقاومة الاستبداد، ويبرز فيها الوعي القومي والإنساني، في انسجام مع قيم الإسلام التي يرى فيها الأساس الحضاري الأمتن.
5. الشعر أداة التغيير لا مجرد لغة للبوح
لم يكن الأميري شاعر وجداني وحسب؛ بل كان يعتبر الشعر رسالة حضارية تهدف إلى بناء وعي جديد.
فهو يوظّف الصور الشعرية الرفيعة في خدمة أفكاره النهضوية، فيحوّل القصيدة إلى وسيلة للإلهام والتحريض على العمل والإصلاح.
فهو يوظّف الصور الشعرية الرفيعة في خدمة أفكاره النهضوية، فيحوّل القصيدة إلى وسيلة للإلهام والتحريض على العمل والإصلاح.
يقول في قصيدة (نشور):
|
فَيَا رَبِّ يَا بارئ الكَائِنَاتِ،
|
|
وَيَا عَالِمًا بِخَفَايَا الصُّدُورْ
|
|
أَلَسْتَ تَرَى الهَمَّ يَشْوِي كِيَانِي
|
|
وَيُلْهِبُ قَلْبي بِنَارٍ وَنُورْ
|
|
فَفُكَّ لِبَأْسِي قُيُودَ الزَّمَانِ
|
|
وَأَطْلِقْ يَدِي في عِنَانِ الدُّهُورْ
|
|
وَهَبْ لي مِنَ الحَزْمِ وَالعَزْمِ أَمْرًا
|
|
وَدَعْني لِقَومِي أَكُونُ النُّشُورْ
|
وقد مكّنه ذلك من الوصول إلى القارئ العام والقارئ النخبوي معاً، ما جعل صوته أحد الأصوات المؤثرة في المشروع الثقافي العربي الحديث.
خلاصة
إن رؤية عمر بهاء الدين الأميري للنهضة تتشكّل عبر ثلاث ركائز أساسية:
- إنسان قوي الإيمان والإرادة
- أسرة متماسكة قادرة على التنشئة الصالحة
- وطن حرّ كريم يستعيد دوره الحضاري
وفي فضائه الشعري، تتحوّل هذه المبادئ إلى رؤى وصور ونبرات وجدانية تمنح القارئ إحساساً بأن النهضة ليست حلماً بعيداً، بل مشروعاً يبدأ من داخله.