في هذا العصر، الذي يعني أنّ الإنسان فيه يتعرّض لكل هذا الكمّ من المعلومات الضخمة الموجودة، كلّ حدث في العالم يُنقل إلينا مباشرة. كان الإنسان في الماضي يواجه إشكاليّاته الخاصّة: يموت له قريب، أو والده، أو أحد أقاربه. قد تحدث فاجعة، كحادثة سيارة يموت فيها أناس يعرفهم، أو يمرض أحدهم فيعلم أنّه أُصيب بالسرطان. أمّا اليوم، فيكاد الإنسان يكون على علم بكل ما يدور في العالم صوتًا وصورة. أقول: يكاد يكون، وفي القول بعض المبالغة، لكن هذا الكمّ المتدفّق من المعلومات عن مآسي البشريّة، وخاصة على النفوس الحسّاسة، يخلق أزمات متعدّدة داخل النفس البشريّة. الذين يُدمنون متابعة كلّ شيء في العالم: من الذي سُرقت أمواله، ومن الذي مرض، وكيف تنتشر الأمراض، ومن ينشرها، ونظريات المؤامرة، وأزمات الأبرياء الذين يُقتلون، والطائرات التي تقصفهم، والحرائق، والأمهات المشرّدات، والأبناء الذين يُيَتَّمون…يجد الإنسان نفسه أمام إشكاليّات ضخمة جدًا.
ومن هنا، فإنّ علم النفس الاجتماعي، وعلم النفس التفاعلي الذي نحتاجه، أخذ يتضخّم، وأصبحت هناك مجتمعات كثيرة، يكاد يكون لكل فرد فيها معالج نفسي أو مساعد نفسي. اليوم، ومع مآسي المنطقة العربية وإشكالياتها الكبرى الحاصلة، أصبحنا أمام احتياجات ضخمة جدًا لعلاجات نفسيّة، وآليّات، وتصوّرات تُساعد الإنسان على التخفيف من هذه الضغوط الكبيرة.
كم من مآسي العالم التي نتابعها لا حاجة لنا بمتابعتها؟ ليس هذا إنكارًا للعالم الموجود، بل رأفة بأنفسنا، وخاصة النفوس الحسّاسة التي تتفاعل مع هذه القضايا تفاعلًا قاتلًا للنفس، فتصبح الحياة نكدًا، وتغدو النظرة سوداوية، كما نرى في كثير من البيئات عند أناس بدؤوا يلبسون "نظارات سوداء" عن العالم، فلا يرونه إلا من زاوية مظلمة، مما يحدّ من عطائهم، وقدراتهم، وتفاعلهم الإيجابي مع الجانب المشرق من الحياة.
اترك لنفسك فرصة أساسية في متابعة الأخبار الطيبة، والنافعة، والجيدة. لا تهمل أخبار العالم الإسلامي وأحوال المسلمين بأي شكل، لكن إن لم تكن قادرًا على مدّ اليد والعون لهؤلاء، فخفّف عن نفسك العبء. لست مسؤولًا عن العالم كله، ولا عن مشاكله كلها: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾. معرفة أخبار العالم الإسلامي مهمّة جدًا، لكن الغرق فيها إلى درجة الأمراض النفسيّة ليس أمرًا حكيمًا. تفاعل بالخير، وابحث عن الخبر الطيب، وابحث عن الزاوية الجيدة في النظر إلى الأخبار، فلعلّك تنجو من هذه الأزمة النفسيّة الطاحنة التي تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية… بل يعيشها العالم كلّه.