مراجعات | علم ومهارة.. كيف نفهم السياسة قبل التحليل والممارسة؟

مراجعات | علم ومهارة.. كيف نفهم السياسة قبل التحليل والممارسة؟
قناة السبيل - إعداد وتقديم: أحمد دعدوش

قد يمارس كل الناس التحليل السياسي بحسب خبراتهم ومعارفهم واطلاعهم على الأحداث، لكن الممارسة السياسية تبقى خاضعة لقواعد ومبادئ لا يمكن تجاوزها، وينبغي على كل محلل أو مراقب أن يستوعبها، فضلاً عمن يمارس العمل السياسي بنفسه. وفي هذه الحلقة نستعرض كتاب د. جاسم سلطان الذي قدّم تلخيصا جيدا لقواعد الممارسة السياسية، وهو كتاب مهم لفهم هذه القواعد وتدريب الشباب عليها.
ملخص شامل: 
1. السياسة كعلم وممارسة
السياسة ليست فقط موضوعًا نظريًا أو مجالًا أكاديميًا، بل هي فن وممارسة يومية تتغلغل في تفاصيل حياتنا. يمكن لأي شخص التعبير عن آرائه السياسية عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن التحليل السياسي الحقيقي يحتاج إلى قواعد علمية ودراسة للتاريخ وفهم عميق للواقع. الممارسة السياسية حكر على النخب التي تتمكن من اللعب في هذا المجال سواء بالانتخابات أو القوة أو حتى الانقلابات، وهذا يميزها عن مجرد تحليل سياسي يعتمد على الرأي الشخصي. فهم السياسة كممارسة يتطلب مؤهلات ومعرفة دقيقة، وهذه الفجوة بين التحليل والممارسة تخلق أحيانًا سوء فهم بين الناس.
2. قواعد اللعب السياسي وأهمية الاطلاع
الكتاب "قواعد في الممارسة السياسية" للدكتور جاسم سلطان، يمثل مرشدًا مختصرًا وعمليًا لمن يريد دخول الساحة السياسية. يركز الكتاب على ضرورة فهم القواعد العلمية والسياسية التي تحكم اللعبة السياسية، ويوفر إطارًا معرفيًا يساعد القادة والممارسين على اتخاذ قرارات مدروسة بعيدة عن العشوائية. الممارسة السياسية تحتاج إلى توازن بين العلم والتجربة، فالسياسي المتمكن يجب أن يكون ملمًا بتاريخ بلاده وعالمه، ومتقنًا لكيفية إدارة الصراعات والتفاوضات ضمن الواقع المعقد.
3. قاعدة التدافع في السياسة
التدافع هو قانون أساسي في السياسة والحياة، وهو ناتج عن ثلاثة عوامل: الاختلاف، التنوع، والندرة. اختلاف الأفكار والثقافات والمصالح بين الناس والمجتمعات يؤدي إلى صراع دائم لكنه ضروري. التنوع في البنى الاجتماعية والثقافية يزيد من تعقيد الممارسة السياسية، والندرة تبرز دائمًا كمحدد أساسي لتوزيع الموارد والسلطة. على السياسي الفهم الجيد لهذه القاعدة ليتمكن من إدارة الصراعات بشكل فعال، مع التأكيد أن التدافع لا يعني بالضرورة صراعًا وجوديًا مدمرًا، بل تنافسًا يمكن أن يُدار بحكمة.
4. أنواع التدافع السياسي
هناك نوعان رئيسيان من التدافع: التنافس والتصارع الصفري. التنافس هو صراع يتميز بمحاولة الأطراف الوصول إلى مكاسب دون القضاء على الخصم، حيث يخرج الجميع رابحًا بدرجات مختلفة. أما التصارع الصفري فهو صراع وجودي يسعى فيه أحد الأطراف إلى القضاء على الآخر، وهذا النوع يؤدي إلى دمار متبادل كما في الحروب أو الصراعات القومية العميقة. فهم نوع التدافع بين الأطراف هو خطوة استراتيجية حاسمة في اختيار أساليب الممارسة السياسية المناسبة.
5. مكونات الدولة والسيادة
الدولة تتألف من أربعة مكونات أساسية: الشعب، الإقليم، الحكومة، والسيادة. السيادة تحمل معنيين: قانوني يظهر في الدساتير، وسياسي عملي يتأثر بالضغوط الداخلية والخارجية. فحتى في الأنظمة الديكتاتورية لا تكون السيادة مطلقة بسبب قيود من قوى إقليمية أو دولية. على السياسي أن يعي هذه الحدود ويتصرف ضمن ما تسمح به الظروف لتحقيق أهدافه دون المخاطرة بفقدان المكاسب الأساسية.
6. القوة الناعمة والصلبة في السياسة
السياسة تتطلب مزجًا بين القوة الصلبة (العسكرية والاقتصادية) والقوة الناعمة (الثقافة، الإعلام، التأثير الاجتماعي). القوة الناعمة، كما شرح جوزيف ناي، يمكن أن تكون أكثر تأثيرًا في جذب القلوب والعقول، كما في تأثير الثقافة الأمريكية خلال الحرب الباردة. السياسي الذكي يستخدم هذا المزيج لتحقيق أهدافه السياسية دون اللجوء دائمًا إلى العنف أو القهر، ويستثمر في بناء صورة إيجابية لدولته أو حركته.
7. شخصية الفاعل السياسي والوعي الجماهيري
رجل السياسة يحتاج إلى وعاء معرفي واسع، يشمل الاقتصاد، علم النفس، والسياسة، لفهم الجمهور وعقليات الجماهير التي يتحكم بها العقل الجمعي. السيكولوجيا الجماهيرية تعني أن الفرد يتصرف بشكل مختلف داخل الحشد، والفاعل السياسي الناجح هو من يدير هذا الفهم ليحشد الدعم الشعبي بطريقة عقلانية دون استغلال أو خداع، بل باستمالة الناس لخطاب يخدم مصلحة المجتمع.
8. حسن النوايا وحدودها في السياسة
حسن النوايا ضروري لكنه لا يكفي وحده لنجاح السياسي. مثال الحسين بن علي يوضح أن النوايا الطيبة لا تضمن النجاح إذا لم يتم استقراء الواقع وتحليل القوى بشكل دقيق. يجب أن يوازن السياسي بين طموحه ونوعية القوى التي يمتلكها واستعدادات خصمه، مع إدراك أن السياسة لعبة معقدة تحتاج إلى استراتيجية متكاملة تشمل القدرة على التكيف والواقعية.
9. التنازلات السياسية والتكتيكات
التنازلات هي جزء من السياسة لا يمكن تجاهله، لكن يجب أن تكون محسوبة بدقة بين المكاسب الصلبة التي لا تُتنازل عنها والهشة التي قد تُسحب لاحقًا. التاريخ مليء بأمثلة على تنازلات تم استغلالها سياسياً، لكن في المقابل، التنازل المدروس يمكن أن يؤدي إلى بناء تحالفات وإيجاد حلول وسطية في صراعات معقدة. السياسي المتمكن هو الذي يعرف متى وكيف يقدم التنازلات دون فقدان الأساسيات.
10. السياسة بين المخاطرة والمغامرة
السياسة ليست مقامرة، لكنها مغامرة محسوبة. المغامر السياسي هو من يوازن بين الحظ والذكاء، ويخوض المخاطر المدروسة لتحقيق أهدافه. الفشل والنجاح في السياسة يعتمدان على اتخاذ قرارات تحت عدم اليقين، مع الإعداد الجيد والتخطيط المتقن. أمثلة كثيرة من التاريخ الحديث، مثل قادة الثورات والحركات السياسية في الشرق الأوسط، توضح كيف أن الجرأة والحسابات الذكية تصنع الفرق في مسار الأحداث.