دور الشباب في تفكيك الهيمنة الغربية وخدمة قضايا الأمة

التصنيف

المقالات

التاريخ

20/04/2025

عدد المشاهدات

354

 

تمهيد

يعيش العالم اليوم تحت تأثيرٍ قويٍّ للنموذج الحضاريِّ الغربيِّ، الذي يفرض رؤيته المادِّيَّة على مختلف جوانب الحياة؛ الأمر الذي يشكِّل تحدِّياً وجوديّاً للمسلمين، ليس فقط في عقيدتهم؛ بل في انتمائهم وهويَّتهم الحضاريَّة؛ هذه الهيمنة التي تتغلغل عبر الإعلام والثقافة والسياسة، تجعل كثيراً مِن الشعوب -دون وعيٍ منها- تتبنَّى مواقف سلبيَّةً تجاه الإسلام والمسلمين.

لكن رغم هذه التحدِّيات، يظلُّ الشباب المسلم هو الأمل في مواجهة هذه السيطرة، فهم المستقبل، وهم الأقدر على كسر قيود التبعيَّة، وإعادة الأمَّة إلى موقعها الطبيعيِّ في العالم. غير أنَّ هذا الدور يتطلَّب وعياً عميقاً في ثلاثة أمورٍ رئيسيَّةٍ:

 ● أوَّلاً: فهم الواقع العالميِّ وأدوات الهيمنة الغربيَّة.

 ● ثانياً: أدوات الشباب المسلم في المواجهة.

 ● ثالثاً: كيف نجعل قضايانا قضايا إنسانيَّةً عالميَّةً.

بهذا الوعي والحضور، يستطيع الشباب المسلم أن يكون قوَّة تغييرٍ إيجابيَّةً، تعيد للأمَّة ثقتها بذاتها، وتُسهِم في بناء مستقبلٍ أكثر عدلاً وتوازناً.

فهم الواقع العالميِّ وأدوات الهيمنة الغربيَّة

أوَّلاً: هيمنة الثقافة الغربيَّة ونموذجها المادِّيِّ

لا يمكن للشباب المسلم الدفاع عن دينهم وقضايا أمَّتهم بفاعليَّةٍ دون وعيٍ بالواقع وتحليلٍ لأدوات هيمنته، ولن يكون بإمكاننا تفكيك آليَّات السيطرة الغربيَّة وإثبات وجودنا، وسيبقى دورنا مجرَّد ردود فعلٍ سطحيَّةٍ أو عاطفيَّةٍ؛ ممَّا يُفقِدنا القدرة على التأثير الحقيقيِّ؛ فالحضارة الغربيَّة تقوم على فصل القيم الروحيَّة عن الحياة؛ ما يجعل القيم الأخلاقيَّة والمعنويَّة خاضعةً للمصالح المادِّيَّة المتغيِّرة، كما أنَّها حضارةٌ تمركزت حول ذاتها، وتعاملت مع العالم بنظرةٍ استعلائيَّةٍ؛ حيث ترى نفسها المركز والآخرين في الهامش؛ الأمر الذي جعلها تتعامل مع الآخرين بدونيَّةٍ واحتقارٍ. إلى جانب ذلك، تحاول الثقافة الغربيَّة فرض نفسها باعتبارها النموذج الوحيد عبر القوَّة الناعمة والصلبة، متصوِّرةً أنَّ قيمها الإنسانيَّة عالميَّةٌ، بينما تصوِّر القيم الإسلاميَّة على أنَّها معاديةٌ للعلم والإنسانيَّة.

أدوات فرض الهيمنة الثقافيَّة الغربيَّة:

1. التعليم والبحث الأكاديميُّ: تسيطر الجامعات الغربيَّة على المناهج والأبحاث؛ ممَّا يؤثِّر على وعي الطلَّاب المسلمين؛ سواءٌ بوعيٍ أو دون وعيٍ؛ إذ تتبنَّى المؤسَّسات التعليميَّة في العالم الإسلاميِّ النموذج الغربيَّ؛ الأمر الذي يعزِّز تبعيَّةً فكريَّةً غير واعيةٍ.

2. الإعلام: تمتلك الدول الغربيَّة شبكاتٍ إعلاميَّةً ضخمةً؛ مثل:"CNN" ، و"BBC"، إضافةً إلى سيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعيِّ؛ كـ: "فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام"، وهذه الوسائل تلعب دوراً في ترسيخ التفوُّق الغربيِّ وتشويه صورة المسلمين، كما أنَّها تساهم في صناعة الأفلام والرسوم المتحرِّكة التي تعزِّز هذه الصورة النمطيَّة.

3. الأدب والفنون: تخضع الجوائز الأدبيَّة الكبرى لمعايير غربيَّةٍ؛ ممَّا يدفع بعض الأدباء والفنَّانين المسلمين إلى تقديم أعمالٍ تتماشى مع الرؤية الغربيَّة؛ لنيل الاعتراف، وهو ما يعزِّز صورة التفوُّق الغربيِّ.

4. الاقتصاد والنظام الماليُّ العالميُّ: يسيطر الغرب على الأنظمة الماليَّة والتكنولوجيا والصناعات العسكريَّة؛ ممَّا يجعله يفرض هيمنته بالقوَّة الاقتصاديَّة والعسكريَّة؛ الأمر الذي يصعِّب على أيِّ نموذجٍ حضاريٍّ بديلٍ أن ينهض.

كلُّ هذه العوامل تعزِّز سيطرة الثقافة الغربيَّة، وتجعل مِن الضروريِّ على الشباب المسلم الوعي بهذه الهيمنة وأدواتها؛ ليتمكَّنوا من مواجهتها بفاعليَّةٍ.

ثانياً: تشويه الإسلام والمسلمين

لا يقتصر تشويه الإسلام والمسلمين على نشر صورٍ نمطيَّةٍ، وإنَّما يمتدُّ إلى خططٍ مدروسةٍ تهدف إلى تصوير الإسلام على أنَّه تهديدٌ للعالم. ويتمُّ تشويه الإسلام بطرقٍ متعدِّدةٍ؛ منها:

1. ربط الإسلام بالإرهاب: يُصوَّر الإسلام كدينٍ عنيفٍ من خلال تسليط الضوء على جماعاتٍ هامشيَّةٍ متطرِّفةٍ صنعتها أجهزة المخابرات العالميَّة، وتقديمها كنموذجٍ للإسلام والمسلمين، بينما تُتجاهَل الجرائم التي يرتكبها غير المسلمين.

2. الترويج لصورة المسلم المتخلِّف: يتمُّ تصوير المسلمين على أنَّهم غير قادرين على التفكير العلميِّ أو تبنِّي السلوك الديموقراطيِّ والعقلانيَّة.

3. فصل الإسلام عن القيم الإنسانيَّة العالميَّة: بتصويره على أنَّه ضدُّ حقوق الإنسان، والترويج للمفهوم الغربيِّ لحقوق الإنسان باعتباره النموذج الوحيد، مع تجاهل وجود تصوُّراتٍ أخرى عالميَّةٍ.

4. تضخيم إنجازات الغرب على حساب الحضارات الأخرى؛ خاصَّةً الإسلاميَّة؛ إذ يتمُّ تصوير التاريخ الأوروبيِّ على أنَّه تاريخ العالم، وتقسيم مراحل تطوُّر الفكر الإنسانيِّ وفقاً للنظرة الغربيَّة، كما فعل "أوغست كونت" في تصنيفه للمراحل الفكريَّة للبشريَّة.

لماذا يتمُّ تشويه الإسلام؟

يتمُّ تشويه الإسلام من قِبل دوائر صناعة الرأي والفكر والقرار في المؤسَّسات الغربيَّة لأسبابٍ عدَّةٍ؛ أبرزها:

1. تبرير الحروب والاحتلال والهيمنة الغربيَّة: فعندما يُصوَّر الإسلام كخطرٍ على الحرِّيَّة والديموقراطيَّة، يصبح غزو الشعوب الإسلاميَّة وتسويق الاحتلال أمراً مبرَّراً، كما رأينا في أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين والسودان وغيرها.

2. إبعاد المسلم عن دينه: الهدف ليس بالضرورة تحويل المسلم إلى غير مسلمٍ، ولكن إقناعه بأنَّ دينه معيقٌ للتقدُّم؛ ممَّا يُسهِّل دفعه إلى تبنِّي قيمٍ مضادَّةٍ للإسلام والتخلِّي عن مبادئه؛ إمَّا من خلال الترويج لنماذج مغرقةٍ في الاغتراب التاريخيِّ، أو لنماذج متطرِّفةٍ في التبعيَّة للغرب.

3. منع الناس من رؤية الإسلام كملاذٍ للإنسانيَّة والشعوب المظلومة: إذ يمكن أن يكون الإسلام مصدر إجابةٍ للأسئلة الوجوديَّة والقيميَّة التي يبحث عنها الإنسان؛ ما يجعله خطراً على الهيمنة الغربيَّة الفكريَّة والثقافيَّة.

ثالثاً: التفكيك الممنهج لأمَّتنا

يستخدم الغرب سياسة (فرِّق تسُد) عبر استغلال الأقلِّيَّات لتبرير التدخُّل في الدول الإسلاميَّة؛ حيث يدعم بعضها لتفتيت الأمَّة، بينما يتجاهل اضطهاد الأقلِّيَّات المسلمة في دولٍ كالهند والصين وفرنسا. كما يعمل على إشعال النزاعات الطائفيَّة، رغم تعايش المذاهب الإسلاميَّة لقرونٍ؛ ممَّا يؤدِّي إلى استنزاف الأمَّة واستسلامها أمام الهيمنة الغربيَّة. إضافةً إلى ذلك؛ فإنَّه يتمُّ تعزيز النزعات القوميَّة على حساب الهويَّة الإسلاميَّة؛ ممَّا يُضعِف الروابط الإسلاميَّة والعربيَّة، ويؤدِّي إلى مزيدٍ مِن الانقسام إن لم يُدرك الشباب خطورته.

رابعاً: القضيَّة الفلسطينيَّة نموذجاً

تمثِّل القضيَّة الفلسطينيَّة مثالاً لهيمنة الثقافة الغربيَّة وإعلامها؛ حيث نجح الاحتلال الصهيونيُّ في الترويج لروايته في الغرب على مدى سبعين عاماً، مستفيداً من سيطرته على المؤسَّسات الإعلاميَّة والجماعات الضاغطة؛ ممَّا أدَّى إلى تغطيةٍ منحازةٍ لصالحه. كما يتمُّ التلاعب بالمصطلحات، فيُوصَف المقاوم الفلسطينيُّ بالإرهابيِّ، بينما يُقدَّم الاحتلال على أنَّه يدافع عن حقِّه في الوجود والديموقراطيَّة، وتُخفَى جرائم الصهيونيَّة عبر الإعلام، أو بالضغط السياسيِّ والماليِّ، كما يظهر في قرارات أمريكا ضدَّ محكمة العدل الدوليَّة. فعندما يُقتَل مئات الفلسطينيِّين، لا يعبأ الإعلام أو السياسيُّون الغربيُّون، بينما يثيرون العالم من أجل مجموعةٍ مِن الأسرى يسمُّونهم: رهائن، ويتدخَّل حتى الصليب الأحمر لحمايتهم؛ ممَّا يمنح الاحتلال وزناً أكبر ويهمِّش قيمة الفلسطينيِّ.

إذاً؛ إنَّ فهم الواقع والأدوات هو أساسٌ لبناء وعيٍ حقيقيٍّ لدى الشباب المسلم؛ ليتمكَّنوا من التأثير بدلاً مِن التحرُّك بردود الأفعال والعاطفة.

أدوات الشباب المسلم في المواجهة

كيف نسلِّح الشباب المسلم بالعلم والفكر لمواجهة التشويه والتزييف الذي يتعرَّض له الإسلام والمسلمون؟

بعد فهم الواقع العالميِّ وآليَّات الهيمنة، تأتي الخطوة الثانية: وهي بناء الوعي والمعرفة العميقة لدى الشباب المسلم ليكونوا قادرين على دحض التشويهات التي يصوِّر بها الغرب الإسلامَ والمسلمين. وهذا يتمُّ من خلال مجموعةٍ مِن العناصر؛ أبرزها:

أوَّلاً: بناء الوعي الديني العميق (الفهم الصحيح للإسلام)

لا بدَّ أن يحقِّق الشباب المسلم الوعي العميق والفهم الصحيح لدينهم من خلال العناصر التالية:

1. فهم الذات والإسلام: فبدون فهمٍ لديننا، وبدون معرفة ذاتنا لا يمكن أن تتشكَّل "أنا" حضاريَّةٌ ودينيَّةٌ، ومن خلال هذا الفهم نستطيع أن نصدَّ التشويهات ونقدِّم للإنسانيَّة شيئاً إيجابيّاً.

2. الإسلام كنظام حياةٍ فكريِّ: يجب أن يدرك الشباب المسلم أنَّ الإسلام ليس مجرَّد طقوسٍ وشعائر فقط؛ بل هو نظام حياةٍ متكاملٌ، ونظامٌ فكريٌّ قائمٌ على قدرات العقل الإنسانيِّ، وأنَّ الحقيقة الإسلاميَّة لا تناقض الحقيقة الوجوديَّة، وأنَّ الوحي مركزٌ في بناء هذا الوعي، والقرآن نفسه يدعو إلى هذا البناء الواعي بالإسلام.

3. معرفة أحكام الإسلام الأساسيَّة: فلا يمكن للإنسان أن ينصر الإسلام وهو يجهله أو يجهل أحكامه أو مقاصده الكبرى؛ ممَّا يعزِّز أهمِّيَّة المعرفة الدينيَّة.

4. فهم الشبهات التي تثار حول الإسلام: لا سيما تلك التي تزعم تعارض الإسلام: مع العقل، أو مع حقوق الإنسان (وفق النموذج الغربي الليبرالي)، أو مع العلم.

5. الإسلام كمنهج حياةٍ كاملٍ: على الشباب المسلم أن يعيَ دينه باعتباره منهج حياةٍ كاملاً، يسعى أو يقود الإنسان إلى الحياة الطيِّبة وإلى الخير، بما فيه خير الإنسانيَّة للمسلمين وغير المسلمين.

6. معرفة تاريخنا وحضارتنا: مِن الضروريِّ أن يعرف الشباب تاريخهم وحضارتهم، وأن يدركوا أنَّ الإسلام قدَّم للإنسانيَّة حضارةً تجمع بين العلم والخير والحقِّ، كما يجب أن يعرفوا منجزاتنا التاريخيَّة في مختلف العلوم والفنون والاجتماع.

7. معرفة القدوات: مِن المهمِّ معرفة القدوات التي نقتدي بها من ديننا؛ كالنبي ﷺ، والصحابة الكرام j، ورجال الأمَّة الذين يمثِّلون نماذج في التديُّن والعلم والقيادة والصناعة؛ فهناك عددٌ هائلٌ مِن القدوات التي يمكن الاقتداء بها؛ ممَّا يجعل معرفة التاريخ حيويَّةً ليس فقط لفهم الماضي؛ بل لبناء الحاضر والمستقبل.

ثانياً: تطوير الفكر النقديِّ والقدرة على التحليل

يجب تربية الشباب المسلم على التفكير النقديِّ والاستقلاليَّة الفكريَّة، عبر تزويدهم بقواعد منهجيَّةٍ مستمدَّةٍ مِن القرآن الكريم، والكون، والخبرة الإنسانيَّة؛ ليكونوا قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ، وليسوا مجرَّد ناقلين للمعلومات. وعند بناء الفكر النقديِّ، يجب أن يمتلك الشباب أسساً منهجيَّةً تمكِّنهم مِن التعامل مع المتغيِّرات والمستجدَّات بشخصيَّةٍ مستقلَّةٍ، دون الشعور بعقدة الدونيَّة. كما ينبغي تزويدهم -عبر المناهج والنقاشات- بمهارات تحليل الواقع والأفكار والقضايا، وإدراك الكلِّيَّات والجزئيَّات؛ ممَّا يعزِّز قدرتهم على الوصول إلى الحقيقة.

ثالثاً: بناء القدرة على الحوار الفعَّال مع غير المسلمين

يعيش الشباب المسلم في عالمٍ متعدِّد الثقافات والأديان؛ ممَّا يجعل الحوار وسيلةً أساسيَّةً لنقل الصورة الحقيقيَّة عن الإسلام، وكسب تأييد الآخرين لقضايانا. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون الحوار قائماً على الفهم المتبادل، مع احترام الآخر وتجنُّب العنف اللفظيِّ، واستخدام العلم والفكر والإحصاءات في النقاشات المثمرة. كما يجب التركيز على قضايا محوريَّةٍ مثل حقوق الإنسان، التي تُستغَلُّ -أحياناً- كأداةٍ للهيمنة؛ ممَّا يتطلَّب وعياً بتاريخها وسياقها الحقيقي. كذلك، ينبغي كشف التناقضات الغربيَّة في تناول قضايا مثل حقوق المرأة؛ حيث تُهمِل حقوق الفلسطينيَّات والأفغانيَّات وغيرهنَّ. أمَّا ربط الإسلام بالإرهاب، فيحتاج إلى تفريقٍ واضحٍ بين المقاومة والإرهاب، وتعميق الفهم الفلسفيِّ والسياسيِّ لهذه القضايا؛ فالقضيَّة الفلسطينيَّة مثالٌ واضحٌ على التلاعب الإعلاميِّ؛ حيث نجح اللُّوبي الصهيونيُّ في تقديمها كسجالٍ بين إسرائيل "الديموقراطيَّة" و"الإرهابيِّين" الفلسطينيِّين؛ ممَّا يستدعي حواراً واعياً لكشف هذه التناقضات.

رابعاً:  ضرورة دخول المجال الإعلاميِّ

لماذا نترك المؤثِّرين الذين لا علاقة لهم بالأمَّة ومبادئها يسيطرون على المشهد الإعلاميِّ، بينما لا يستطيع أبناء الأمَّة إنتاج ولو مقطعٍ إعلاميٍّ واحدٍ. لذلك؛ لا بدَّ مِن الانخراط في الإعلام الحديث؛ خاصَّة الإعلام الرقميَّ، لنشر الوعي بقضايا الإسلام والمسلمين، والمساهمة في تشكيل الوعي والحقيقة. إنَّ أحداث طوفان الأقصى أثبتت مدى تأثير الإعلام في كسر الروايات الزائفة، وكان مِن المفترض أن يستثمر الشباب المسلم هذا الحدث، الذي استجاب له كثير من أحرار الإنسانيَّة، لتعميق التواصل معهم، وتوصيل قضايا الأمَّة، والتفاعل الفعَّال معها.

كيف نجعل قضايانا قضايا إنسانيَّةً عالميَّةً؟

أوَّلاً: الخطاب الإيجابيُّ بدلاً عن الخطاب الدفاعيِّ

لتحويل قضايانا إلى قضايا إنسانيَّةٍ وكسب تعاطف الأحرار، يجب توعية الشعوب غير المسلمة بحقيقة الظلم الواقع على المسلمين؛ خاصَّةً مع تأثير الدعاية الصهيونية والإعلام الغربيِّ. والمطلوب مِن الشباب المسلم المبادرة وعدم انتظار التوجيهات، كما فعل الصحابي نعيم بن مسعود h في غزوة الأحزاب، حين استخدم ذكاءه لفكِّ الحصار عن المسلمين.

 إذاً؛ يجب تقديم القضايا الإسلاميَّة كقضايا إنسانيَّةٍ تمسُّ الجميع، فظلم فلسطين والهيمنة الغربيَّة والحروب ضدَّ المسلمين تهدِّد القيم الإنسانيَّة ككلٍّ. لذا؛ علينا استثمار المعرفة والإعلام الحديث لإيصال هذه الرسالة إلى العالم، وتحفيز الضمير الإنساني على التفاعل معها.

وقد مثّلت أحداث "طوفان الأقصى" لحظة فارقة؛ إذ كسرت كثيرًا من الجمود السائد في الرأي العام العالمي، وأيقظت ضمائر حرة في شتى البقاع. وكان المنتظر أن يستثمر الشباب المسلم هذا الزخم، فيعمّقوا التواصل مع أحرار الإنسانية، ويقدّموا قضايا الأمة في صورتها العادلة، ويتفاعلوا بوعي ومسؤولية مع موجات التعاطف الصادقة التي انطلقت آنذاك.

ثانياً: إظهار الجانب الإنسانيِّ في قضايانا

عند تقديم قضايانا، يجب التركيز على الأبعاد التي تثير العاطفة والعقل لدى الشباب في أوروبا، وأمريكا، وآسيا، بدلاً مِن التركيز فقط على معاناة الفلسطينيِّين والسودانيِّين والسوريِّين؛ حيث إنَّ القضايا مثل: الاضطهاد، والإبادة، والسجون، ليست خاصَّةً بالمسلمين وحدهم؛ بل هي قضايا إنسانيَّةٌ. لذا، يجب تسليط الضوء على أنَّ الحضارة الغربيَّة قامت على نهب الشعوب وإثارة النزاعات؛ ممَّا يستدعي تضامن البشريَّة ضدَّ الظلم لتحقيق العدالة. كما ينبغي التركيز على الهويَّة الإسلاميَّة، وتقديمها بإيجابيَّةٍ دون اعتذار. وعلى المسلم أن يعتزَّ بهويَّته، ويكون خطابه مليئاً بالثقة وإثبات الذات، لا التبعيَّة. ويجب أن نشعر بالفخر بالانتماء إلى الإسلام والحضارة الإسلاميَّة، ونبرز الإسلام كملاذٍ للبشريَّة؛ خاصَّةً في ظلِّ فساد الأيديولوجيَّات الحديثة وتهديد الحضارة المعاصرة لوجود الإنسان والإنسانيَّة.

ثالثاً: التحالف مع الحركات المناهضة للاستعمار والظلم والعنصريَّة الغربيَّة

من المهم أن يُبادر الشباب المسلم إلى التعاون مع الحركات والمنظَّمات المناهضة للاحتلال والظلم والعنصريَّة؛ حيث توجد في أوروبا وأمريكا حركاتٌ يهوديَّةٌ ونصرانيَّةٌ وغيرها مناهضةٌ للصهيونيَّة، إضافةً إلى حركاتٍ مناهضةٍ للعنصريَّة والاستغلال والتمييز العرقيِّ والطبقيِّ. كما يجب الانفتاح على هذه الحركات والتواصل معها؛ حيث سنجد أنَّنا نشترك معها في العديد مِن القضايا؛ ممَّا يساعد في مواجهة الهيمنة على المستويين الفكريِّ والعمليِّ. كذلك، مِن المهمِّ الاستفادة مِن التجارب الناجحة للأمم التي تحرَّرت مِن العنصريَّة والاستبداد والهيمنة الغربيَّة؛ مثل: تجارب الصين، واليابان، وكوريا، والبرازيل، واستخلاص الدروس منها.

ختاماً...

يحتاج شباب الأمَّة في هذا العالم المتشابك إلى الوعي والعلم؛ ليحملوا رسالة الأمَّة بقوَّةٍ؛ لذا  يجب أن يرى كلُّ شابٍّ دوره كفرضٍ عينيٍّ لا كفرضٍ كفائيٍّ، يواجه الهيمنة الغربيَّة بطرقٍ حضاريَّةٍ باستخدام أدواته الفعَّالة. ولا ينبغي للشابِّ المسلم أن يكون مستهلِكاً للأفكار؛ بل منتِجاً لها، ويجب أن يتحوَّل من منفعلٍ إلى فاعلٍ، مؤمناً بإيجابيَّته وذاته.

من خلال كلِّ ذلك، يمكنه المساهمة في استعادة دور الأمَّة ومكانتها.

 

 

 

المسلمون والجبرية العملية الشخصية المنفتحة وبناء الحضارة قراءة في فكر ابن خلدون ومفاتيح النهضة